فصل: (سورة طه: آية 71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة طه: الآيات 65- 66]:

{قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66)}.
أَنْ مع ما بعده إما منصوب بفعل مضمر. أو مرفوع بأنه خبر مبتدإ محذوف. معناه: اختر أحد الأمرين، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا. وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه، وتواضع له وخفض جناح، وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم، وكأن اللّه عز وعلا ألهمهم ذلك، وعلم موسى صلوات اللّه عليه اختيار إلقائهم أو لا، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر. ويستنفدوا أقصى طوقهم ومجهودهم، فإذا فعلوا: أظهر اللّه سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين، وعبرة بينة للمعتبرين. يقال في إذا هذه: إذا المفاجأة. والتحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت، الطالبة ناصبا لها وجملة تضاف إليها، خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا وهو فعل المفاجأة الجملة ابتدائية لا غير، فتقدير قوله تعالى: {فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} ففاجأ موسى وقت تخييل سعى حبالهم وعصيهم. وهذا تمثيل. والمعنى: على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعى. وقرئ {عِصِيُّهُمْ} بالضم وهو الأصل، والكسر إتباع، ونحوه: دلىّ ودلىّ، وقسىّ وقسىّ. وقرئ {تخيل} على إسناده إلى ضمير الحبال والعصى وإبدال قوله: {أَنَّها تَسْعى} من الضمير بدل الاشتمال، كقولك: أعجبنى زيد كرمه، وتخيل على كون الحبال والعصىّ مخيلة سعيها. وتخيل. بمعنى تتخيل. وطريقه طريق تخيل. ونخيل: على أنّ اللّه تعالى هو المخيل للمحنة والابتلاء. يروى أنهم لطخوها بالزئبق، فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت، فخيلت ذلك.

.[سورة طه: الآيات 76- 69]:

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69)}.
إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلوّ وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله ما فِي يَمِينِكَ ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيرا لها، أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة اللّه يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وجائز أن يكون تعظيما لها أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن اللّه ويمحقها. وقرئ {تَلْقَفْ} بالرفع على الاستئناف. أو على الحال، أي: ألقها متلقفة. وقرئ: تلقف، بالتخفيف. {صَنَعُوا} هاهنا بمعنى زوّروا وافتعلوا، كقوله تعالى: {تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ} قرئ {كَيْدُ ساحِرٍ} بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أنّ ما موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرئ: كيد سحر، بمعنى: ذى سحر: أو ذوى سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد، لأنه يكون سحرا وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأنّ القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أنّ المقصود هو العدد.
ألا ترى إلى قوله: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ} أي هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أوّلا وعرف ثانيا؟
قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه، كقول العجاج:
في سعى دنيا طالما قد مدّت

وفي حديث عمر رضي اللّه عنه «لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة» المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعى دنيوى. وأمر دنيوى وآخري {حَيْثُ أَتى} كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.

.[سورة طه: آية 70]:

{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70)}.
سبحان اللّه ما أعجب أمرهم. قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين! وروى أنهم لم يرفعوا رؤسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها. وعن عكرمة: لما خروا سجدا أراهم اللّه في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة.

.[سورة طه: آية 71]:

{قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبْقى (71)}.
{لَكَبِيرُكُمُ} لعظيمكم، يريد: أنه أسحرهم وأعلاهم درجة في صناعتهم. أو لمعلمكم، من قول أهل مكة للمعلم: أمرنى كبيرى، وقال لي كبيرى: كذا يريدون معلمهم وأستاذهم في القرآن وفي كل شيء. قرئ: {فَلَأُقَطِّعَنَّ} ولأصلبنّ. بالتخفيف. والقطع من خلاف: أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لأنّ كل واحد من العضوين خالف الآخر، بأن هذا يد وذاك رجل، وهذا يمين وذاك شمال. و{من} لابتداء الغاية: لأن القطع مبتدأ وناشئ من مخالفة العضو العضو، لا من وفاقه إياه. ومحل الجار والمجرور النصب على الحال، أي: لأقطعنها مختلفات، لأنها إذا خالف بعضها بعضا فقد اتصفت بالاختلاف. شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن الشيء الموعى في وعائه، فلذلك قيل {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}. {أَيُّنا} يريد نفسه لعنه اللّه وموسى صلوات اللّه عليه بدليل قوله: {آمَنْتُمْ لَهُ} واللام مع الإيمان في كتاب اللّه لغير اللّه تعالى، كقوله تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} وفيه نفاجة باقتداره وقهره، وما ألفه وضرى به: من تعذيب الناس بأنواع العذاب. وتوضيع لموسى عليه السلام، واستضعاف له مع الهزء به: لأن موسى لم يكن قط من التعذيب في شيء.

.[سورة طه: الآيات 72- 76]:

{قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)}.
{وَالَّذِي فَطَرَنا} عطف على ما جاءنا أو قسم. قرئ {تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا} ووجهها أن الحياة في القراءة المشهورة منتصبة على الظرف، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به، كقولك في «صمت يوم الجمعة»: «صيم يوم الجمعة» وروى أن السحرة- يعنى رؤسهم- كانوا اثنين وسبعين: الاثنان من القبط، والسائر من بنى إسرائيل، وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر. وروى أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائما ففعل، فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر الساحر، لأن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى إلا أن يعارضوه {تَزَكَّى} تطهر من أدناس الذنوب. وعن ابن عباس: قال لا إله إلا اللّه. قيل في هذه الآيات الثلاث: هي حكاية قولهم. وقيل: خبر من اللّه، لا على وجه الحكاية.

.[سورة طه: الآيات 77- 79]:

{وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (79)}.
{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا} فاجعل لهم، من قولهم: ضرب له في ماله سهما. وضرب اللبن: عمله.
اليبس: مصدر وصف به. يقال: يبس يبسا ويبسا. ونحوهما: العدم والعدم. ومن ثم وصف به المؤنث فقيل: شاتنا يبس، وناقتنا يبس: إذا جف لبنها. وقرئ: يبسا، ويابسا.
ولا يخلو اليبس من أن يكون مخففا عن اليبس. أو صفة على فعل. أو جمع يابس، كصاحب وصحب، وصف به الواحد تأكيدا، كقوله:
ومعى جياعا

جعله لفرط جوعه كجماعة جياع لا تَخافُ حال من الضمير في {فَاضْرِبْ} وقرئ: لا تخف، على الجواب. وقرأ أبو حيوة {دَرَكًا} بالسكون. والدرك والدرك: اسمان من الإدراك، أي: لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك. في وَلا تَخْشى إذا قرئ: لا تخف، ثلاثة أوجه: أن يستأنف، كأنه قيل وأنت لا تخشى، أي: ومن شأنك أنك آمن لا تخشى، وأن لا تكون الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل ولكن زائدة للإطلاق من أجل الفاصلة، كقوله: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}، {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} وأن يكون مثله قوله:
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

{ما غَشِيَهُمْ} من باب الاختصار، ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة، أي: غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا اللّه. وقرئ: فغشاهم من اليم ما غشاهم. والتغشية: التغطية.
وفاعل غشاهم: إما اللّه سبحانه. أو ما غشاهم. أو فرعون، لأنه الذي ورّط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقوله: {وَما هَدى} تهكم به في قوله: {وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ}.

.[سورة طه: الآيات 80- 81]:

{يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (81)}.
{يا بَنِي إِسْرائِيلَ} خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون. وقيل: هو للذين كانوا منهم في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منّ اللّه عليهم بما فعل بآبائهم والوجه هو الأوّل، أي: قلنا يا بنى إسرائيل، وحذف القول كثير في القرآن. وقرئ {أنجيتكم} إلى {رزقتكم}، وعلى لفظ الوعد والمواعدة. وقرئ {الْأَيْمَنَ} بالجر على الجوار، نحو: جحر ضب خرب. ذكرهم النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم، وفيما واعد موسى صلوات اللّه عليه من المناجاة بجانب الطور، وكتب التوراة في الألواح. وإنما عدى المواعدة إليهم لأنها لا بستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم، وإليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم، وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه. طغيانهم في النعمة: أن يتعدّوا حدود اللّه فيها بأن يكّفروها ويشغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها، وأن ينفقوها في المعاصي: وأن يزووا حقوق الفقراء فيها، وأن يسرفوا في إنفاقها، وأن يبطروا فيها ويأشروا ويتكبروا. قرئ {فَيَحِلَّ} وعن عبد اللّه: لا يحلن {وَمَنْ يَحْلِلْ} المكسور في معنى الوجوب، من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه. ومنه قوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} والمضموم في معنى النزول.
وغضب اللّه عقوباته ولذلك وصف بالنزول هَوى هلك. وأصله أن يسقط من جبل فيهلك.
قالت:
هوى من رأس مرقبة ** ففتّت تحتها كبده

وصعد- بالكسر- صعدا- بفتحتين وضمتين- صعودا: ارتفع، والضمير للعقاب أو للشرف، فهو من إضافة المصدر لفاعله. ويجوز أنه من اضافته لمفعوله، أي: صعوده عليه. وخص العقاب، لأنه أشد الطير صعودا، لاسيما عقاب ذلك الجبل العارف به. وكرر هوى لإظهار التحزن، أي: سقط من رأس ثنية عالية يرقب فيها الرقيب، فمزقت كبده تحتها، أي: بجانبها، فكيف ببقية جسمه. ويروى: ففزت. بتشديد الزاى بمعنى فزعت.
وروى: ففرت بتشديد الراء، وأصله: فريت. وهذه لغة طيئ. يقولون: المرأة دعت في دعيت. والدار بنت في بنيت، ثم قال: يلومني الناس على البكاء مع أننى ألمسه، من بابى قتل وضرب، أي: أريد لمسه فلا أجده، وكيف يلام حزين هرم يئس من رجوع ولده إليه، أو من أوان التوالد. وقيل: إن القائل أم القتيل، لكن يروى يعد البيت الأول:
فلا أم فتبكيه ولا أخت فتفتقده ** هوى عن صخرة صلد ففرت تحتها كبده

إلى آخره. ويقولون: هوت أمّه. أو سقط سقوطا لا نهوض بعده.

.[سورة طه: آية 82]:

{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا ثُمَّ اهْتَدى (82)}.
الاهتداء: هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والإيمان والعمل الصالح، ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في جاءني زيد ثم عمرو أعنى أنّ منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه، لأنها أعلى منها وأفضل. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ولقد أريناه} يعني فرعون {آياتنا كلها} يعني الآيات التسع التي أعطاها الله موسى {فكذب وأبى} يعني فرعون وزعم أنها سحر وأبى أن يسلم {قال} يعني فرعون {أجئتنا لتخرجنا من أرضنا} يعني مصر {بسحرك يا موسى} يريد أن تغلب على ديارنا فيكون لك الملك وتخرجنا منها {فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدًا} أي اضراب أجلًا وميقاتًا {لا نخلفه} لا نجاوزه {نحن ولا أنت مكانًا سوىً} أي مكانًا عدلًا وقال ابن عباس: نصفًا تستوي مسافة الفريقين إليه وقيل معناه سوى هذا المكان {قال} يعني موسى {موعدكم يوم الزينة} قيل كان يوم عيد لهم يتزينون فيه ويجتمعون في كل سنة وقيل هو يوم النيروز وقال ابن عباس يوم عاشوراء {وأن يحشر الناس ضحى} أي وقت الضحوة نهارًا جهارًا ليكون أبعد من الريبة {فتولى فرعون فجمع} يعني فرعون {كيده} يعني مكره وسحره وحيله {ثم أتى} يوم المعاد {قال لهم موسى} يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون وكانوا اثنين وسبعين ساحرًا مع كل ساحر حبل وعصا وقيل كانوا أربعمائة وقيل كانوا اثني عشر ألفًا {ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب} اي فيهلكنكم ويستأصلكم {وقد خاب من افترى} أي خسر من ادعى مع الله إلهًا آخر وقيل معناه خسر من كذب على الله تعالى.
قوله تعالى: {فتنازعوا أمرهم بينهم} أي تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سرًا من فرعون وقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه، معناه لما قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبًا.
قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر {وأسروا النجوى} أي المناجاة {قالوا} قال بعضهم لبعض سرًا {إن هذان لساحران} يعني موسى وهارون {يريدان أن يخرجاكم من أرضكم} يعني من مصر {بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم وقيل معناه يصرفان وجوه الناس عنكم، وقيل أراد أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل يعني يريد أن يذهبا بهم لأنفسهما، وقيل معناه يذهبا بسنتكم وبدينكم الذي أنتم عليه {فأجمعوا كيدكم} أي لا تدعو شيئًا من كيدكم إلا جئتم به، وقيل معناه اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له ولا تختلفوا فيختل أمركم {ثم ائتوا صفًا} أي جمعًا مصطفين ليكون أشد لهيبتكم وقيل معناه ثم ائتوا المكان الموعود به {وقد أفلح اليوم من استعلى} أي فاز من غلب.
{قالوا} يعني السحرة {يا موسى إما أن تلقي} أي عصاك {وإما أن نكون أول من ألقى} أي عصينا {قال} يعني موسى {بل ألقوا} يعني أنتم أولًا {فإذا حبالهم} فيه إضمار أي فألقوا فإذا حبالهم {وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} قيل إنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس، فرأى موسى كأن الأرض امتلأت حيات وكانت قد أخذت ميلًا في ميل من كل جانب ورآها كأنها تسعى {فأوجس} أي أضمر وقيل وجد {في نفسه خيفة موسى} قيل هو طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده، وقيل خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه {قلنا لا تخف} أي قال الله تعالى لموسى لا تخف {إنك أنت الأعلى} أي الغالب عليهم ولك الغلبة عليهم والظفر {وألق ما في يمينك} أي عصاك والمعنى لا يخيفنك كثرة حبالهم وعصيهم فإن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها {تلقف} أي تلقم وتبتلع {ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} أي حيلة ساحر {ولا يفلح الساحر حيث أتى} أي من الأرض.